تعدّ قضية المياه، من اعقد القضايا والمشاكل التي واجهت العلاقات التركية- العربية، وعلى وجه الدقة العلاقة مع العراق وسوريا، وهي كذلك من القضايا المشتركة بين هذه الدول، إلاَّ أن جانب التعاون في هذه القضية كان ضعيفاً، وموقف الضعف فيها ياتي من عدم اعتراف أي طرف من الاطراف بحقوق الاخر، اعتقدت تركيا منذ البداية بان المياه الجارية في حوضي دجلة والفرات هي مياه تركية لانها تنبع من الارض التركية، وعليه فانها غير ملزمة قانوناً باعطاء حصة ثابتة للدول المتشاطئة معها في الوقت الذي تهتم فيه بتقدير حاجة البلدين لمياه دجلة والفرات، وانها غير ملتزمة بالقوانين الدولية التي تنص على عدم الاضرار بالاخرين، ولذلك فانها مستعدة للاتفاق مع العراق وسوريا لتزويدهم بالمياه شريطة أن لا يتعارض ذلك ومصلحة البلاد وفي اقامة المشاريع التنموية والاقتصادية، ولهذا نجد انها تعاملت في هذه القضية بطريقة ملتوية ، بالمقابل فان الاخيرين حاولا الوقوف بوجه السياسية التركية وطالبا بحقوقهما القانونية لمياه دجلة والفرات، غير انهما لم يتوصلا إلى حل مشترك يتفقا عليه لمواجهة سياسة تركيا المائية بل كان الخلاف بينهما هو الابرز في هذه القضية مما جعل من تركيا أن تستغل هذا الخلاف لصالحها، وتأسيساً على ما تناولناه نجد أن المتضرر الاكبر من السياسة المائية لتركيا هو العراق باعتباره الدولة الاخيرة المستفيدة من مياه النهرين، في الوقت الذي سعت تركيا لتوظيف المداخلات الاقتصادية والسياسية التركية تجاه دول المنطقة بما يوفر لها وظيفة مهمة في سياسات رائدة في النظام الاقليمي في الشرق الأوسط، من خلال اصرار تركيا على المضي قدماً في مشروع واسع النطاق في جنوب شرق الاناضول، بهدف تزويد المناطق الحدودية بالطاقة ومصادر الري لجعلها نقطة تجمع للحبوب والفواكه والخضر لدول الشرق الاوسط، واستمرار تمسكها بعدم اعتبار نهري دجلة والفرات نهرين دوليين، وانما نهريين عابرين للحدود وبقصد السماح لنفسها باستثمارهما وفقاً لمصلحتها ولبناء السدود وفقا لتصوراتها وبما يسمح لها بتحويلهما ((كورقة سياسية)) مستقبلا للتحكم في حياة سوريا والعراق المائية، وهي تستفيد من خلافات البلدين، بل تعمل على إدامتها بغية بناء مخططاتها المائية بعيدا عن الرؤية العربية الموحدة.